الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **
*2*كِتَاب الْحَوَالَاتِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الشرح: (كتاب الحوالة) . والحوالة بفتح الحاء وقد تكسر مشتقة من التحويل أو من الحأول، تقول حال عن العهد إذا انتقل عنه حأولا. وهي عند الفقهاء نقل دين من ذمة إلى ذمة. واختلفوا هل هي بيع دين بدين رخص فيه فاستثنى من النهي عن بيع الدين بالدين، أو هي استيفاء؟ وقيل هي عقد إرفاق مستقل ويشترط في صحتها رضا المحيل بلا خلاف، والمحتال عند الأكثر، والمحال عليه عند بعض شذ. ويشترط أيضا تماثل الحقين في الصفات، وأن يكون في شيء معلوم. ومنهم من خصها بالنقدين ومنعها في الطعام لأنه بيع طعام قبل أن يستوفى. *3* وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ إِذَا كَانَ يَوْمَ أَحَالَ عَلَيْهِ مَلِيًّا جَازَ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَتَخَارَجُ الشَّرِيكَانِ وَأَهْلُ الْمِيرَاثِ فَيَأْخُذُ هَذَا عَيْنًا وَهَذَا دَيْنًا فَإِنْ تَوِيَ لِأَحَدِهِمَا لَمْ يَرْجِعْ عَلَى صَاحِبِهِ الشرح: قوله: (بسم الله الرحمن الرحيم - باب الحوالة) كذا للأكثر، وزاد النسفي والمستملي بعد البسملة قوله: (وهل يرجع في الحوالة) هذا إشارة إلى خلاف فيها هل هي عقد لازم أو جائز؟ قوله: (وقال الحسن وقتادة إذا كان) أي المحال عليه (يوم أحال عليه مليا جاز) أي بلا رجوع، ومفهومه أنه إذا كان مفلسا فله أن يرجع. وهذا الأثر أخرجه ابن أبي شيبة والأثرم واللفظ له من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة والحسن أنهما سئلا عن رجل احتال على رجل فأفلس، قالا: إن كان مليا يوم احتال عليه فليس له أن يرجع. وقيده أحمد بما إذا لم يعلم المحتال بإفلاس المحال عليه. وعن الحكم لا يرجع إلا إذا مات المحال عليه. وعن الثوري يرجع بالموت وأما بالفلس فلا يرجع إلا بمحضر المحيل والمحال عليه. وقال أبو حنيفة: يرجع بالفلس مطلقا سواء عاش أو مات ولا يرجع بغير الفلس. وقال مالك: لا يرجع إلا إن غره كأن علم فلس المحال عليه ولم يعلمه بذلك. وقال الحسن وشريح وزفر: الحوالة كالكفالة فيرجع على أيهما شاء، وبه يشعر إدخال البخاري أبواب الكفالة في كتاب الحوالة. وذهب الجمهور إلى عدم الرجوع مطلقا، واحتج الشافعي بأن معنى قول الرجل أحلته وأبرأني حولت حقه عني وأثبته على غيري. وذكر أن محمد بن الحسن احتج لقوله بحديث عثمان أنه قال في الحوالة أو الكفالة " يرجع صاحبها لا توى " أي لا هلاك " على مسلم " قال فسألته عن إسناده فذكره عن رجل مجهول عن آخر معروف لكنه منقطع بينه وبين عثمان فبطل الاحتجاج به من أوجه، قال البيهقي أشار الشافعي بذلك إلى ما رواه شعبة عن خليد بن جعفر عن معاوية بن قرة عن عثمان، فالمجهول خليد والانقطاع بين معاوية بن قرة وعثمان، وليس الحديث مع ذلك مرفوعا، وقد شك راويه هل هو في الحوالة أو الكفالة. قوله: (وقال ابن عباس يتخارج الشريكان الخ) وصله ابن أبي شيبة بمعناه، قال ابن التين محله ما إذا وقع ذلك بالتراضي مع استواء الدين، وقوله "توى " بفتح المثناة وكسر الواو أي هلك، والمراد أن يفلس من عليه الدين أو يموت أو يجحد فيحلف حيث لا بينة ففي كل ذلك لا رجوع لمن رضي بالدين، قال ابن المنير: ووجهه أن من رضي بذلك فهلك فهو في ضمانه كما لو اشترى عينا فتلفت في يده، وألحق البخاري الحوالة بذلك. وقال أبو عبيد: إذا كان بين ورثة أو شركاء مال وهو في يد بعضهم دون بعض فلا بأس أن يتبايعوه بينهم. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ فَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيٍّ فَلْيَتْبَعْ الشرح: قوله: (عن الأعرج عن أبي هريرة) قد رواه همام عن أبي هريرة، ورواه ابن عمر وجابر مع أبي هريرة. قوله: (مطل الغني ظلم) في رواية ابن عيينة عن أبي الزناد عند النسائي وابن ماجة " المطل ظلم الغني " والمعنى أنه من الظلم، وأطلق ذلك للمبالغة في التنفير عن المطل، وقد رواه الجوزقي من طريق همام عن أبي هريرة بلفظ " إن من الظلم مطل الغني " وهو يفسر الذي قبله، وأصل المطل المد، قال ابن فارس: مطلت الحديدة أمطلها مطلا إذا مددتها لتطول. وقال الأزهري: المطل المدافعة، والمراد هنا تأخير ما استحق أداؤه بغير عذر. والغني مختلف في تفريعه ولكن المراد به هنا من قدر على الأداء فأخره ولو كان فقيرا كما سيأتي البحث فيه. وهل يتصف بالمطل من ليس القدر الذي استحق عليه حاضرا عنده لكنه قادر على تحصيله بالتكسب مثلا؟ أطلق أكثر الشافعية عدم الوجوب، وصرح بعضهم بالوجوب مطلقا، وفصل آخرون بين أن يكون أصل الدين وجب بسبب يعصى به فيجب وإلا فلا، وقوله "مطل الغني " هو من إضافة المصدر للفاعل عند الجمهور، والمعنى أنه يحرم على الغني القادر أن يمطل بالدين بعد استحقاقه بخلاف العاجز، وقيل هو من إضافة المصدر للمفعول، والمعنى أنه يجب وفاء الدين ولو كان مستحقه غنيا ولا يكون غناه سببا لتأخير حقه عنه، وإذا كان كذلك في حق الغني فهو في حق الفقير أولى، ولا يخفى بعد هذا التأويل. قوله: (فإذا أتبع أحدكم على ملئ فليتبع) المشهور في الرواية واللغة كما قال النووي إسكان المثناة في " أتبع " وفي " فليتبع " وهو على البناء للمجهول مثل إذا أعلم فليعلم، تقول تبعت الرجل بحقي أتبعه تباعة بالفتح إذا طلبته. وقال القرطبي: أما أتبع فبضم الهمزة وسكون التاء مبنيا لما لم يسم فاعله عند الجميع، وأما فليتبع فالأكثر على التخفيف، وقيده بعضهم بالتشديد، والأول أجود. انتهى. وما ادعاه من الاتفاق على أتبع يرده قول الخطابي: إن أكثر المحدثين يقولونه بتشديد التاء والصواب التخفيف، ومعنى قوله " أتبع فليتبع " أي أحيل فليحتل، وقد رواه بهذا اللفظ أحمد عن وكيع عن سفيان الثوري عن أبي الزناد. وأخرج البيهقي مثله من طريق يعلى بن منصور عن أبي الزناد عن أبيه وأشار إلى تفرد يعلى بذلك، ولم يتفرد به كما تراه، ورواه ابن ماجة من حديث ابن عمر بلفظ " فإذا أحلت على ملئ فاتبعه " وهذا بتشديد التاء بلا خلاف، " والملئ " بالهمز مأخوذ من الملاء يقال ملؤ الرجل بضم اللام أي صار مليا. وقال الكرماني: الملي كالغني لفظا ومعنى، فاقتضى أنه بغير همز، وليس كذلك فقد قال الخطابي أنه في الأصل بالهمز ومن رواه بتركها فقد سهله، والأمر في قوله فليتبع للاستحباب عند الجمهور، ووهم من نقل فيه الإجماع، وقيل هو أمر إباحة وإرشاد وهو شاذ، وحمله أكثر الحنابلة وأبو ثور وابن جرير وأهل الظاهر على ظاهره، وعبارة الخرقي " ومن أحيل بحقه على ملئ فواجب عليه أن يحتال". (تنبيه) : ادعى الرافعي أن الأشهر في الروايات " وإذا أتبع " وأنهما جملتان لا تعلق لإحداهما بالأخرى، وزعم بعض المتأخرين أنه لم يرد إلا بالواو، وغفل عما في صحيح البخاري هنا فإنه بالفاء في جميع الروايات، وهو كالتوطئة والعلة لقبول الحوالة، أي إذا كان المطل ظلما فليقبل من يحتال بدينه عليه، فإن المؤمن من شأنه أن يحترز عن الظلم فلا يمطل. نعم رواه مسلم بالواو وكذا البخاري في الباب الذي بعده لكن قال " ومن أتبع " ومناسبة الجملة للتي قبلها أنه لما دل على أن مطل الغني ظلم عقبه بأنه ينبغي قبول الحوالة على الملئ لما في قبولها من دفع الظلم الحاصل بالمطل، فإنه قد تكون مطالبة المحال عليه سهلة على المحتال دون المحيل ففي قبول الحوالة إعانة على كفه عن الظلم، وفي الحديث الزجر عن المطل، واختلف هل يعد فعله عمدا كبيرة أم لا؟ فالجمهور على أن فاعله يفسق، لكن هل يثبت فسقه بمطله مرة واحدة أم لا؟ قال النووي مقتضى، مذهبنا اشتراط التكرار، ورده السبكي في " شرح المنهاج " بأن مقتضى مذهبنا عدمه، واستدل بأن منع الحق بعد طلبه وابتغاء العذر عن أدائه كالغصب والغصب كبيرة، وتسميته ظلما يشعر بكونه كبيرة، والكبيرة لا يشترط فيها التكرر. نعم لا يحكم عليه بذلك إلا بعد أن يظهر عدم عذره انتهى. واختلفوا هل يفسق بالتأخير مع القدرة قبل الطلب أم لا؟ فالذي يشعر به حديث الباب التوقف على الطلب لأن المطل يشعر به، ويدخل في المطل كل من لزمه حق كالزوج لزوجته والسيد لعبده والحاكم لرعيته وبالعكس، واستدل به على أن العاجز عن الأداء لا يدخل في الظلم، وهو بطريق المفهوم لأن تعليق الحكم بصفة من صفات الذات يدل على نفي الحكم عن الذات عند انتفاء تلك الصفة، ومن لم يقل بالمفهوم أجاب بأن العاجز لا يسمى ماطلا، وعلى أن الغني الذي ماله غائب عنه لا يدخل في الظلم، وهل هو مخصوص من عموم الغني أو ليس هو في الحكم بغني؟ الأظهر الثاني لأنه في تلك الحالة يجوز إعطاؤه من سهم الفقراء من الزكاة، فلو كان في الحكم غنيا لم يجز ذلك. واستنبط منه أن المعسر لا يحبس ولا يطالب حتى يوسر، قال الشافعي: لو جازت مؤاخذته لكان ظالما، والفرض أنه ليس بظالم لعجزه. وقال بعض العلماء: له أن يحبسه. وقال آخرون: له أن يلازمه. واستدل به على أن الحوالة إذا صحت ثم تعذر القبض بحدوث حادث كموت أو فلس لم يكن للمحتال الرجوع على المحيل، لأنه لو كان له الرجوع لم يكن لاشتراط الغني فائدة، فلما شرطت علم أنه انتقل انتقالا لا رجوع له كما لو عوضه عن دينه بعوض ثم تلف العوض في يد صاحب الدين فليس له رجوع. وقال الحنفية يرجع عند التعذر، وشبهوه بالضمان، واستدل به على ملازمة المماطل وإلزامه بدفع الدين والتوصل إليه بكل طريق وأخذه منه قهرا، واستدل به على اعتبار رضى المحيل والمحتال دون المحال عليه لكونه لم يذكر في الحديث، وبه قال الجمهور. وعن الحنفية يشترط أيضا، وبه قال الإصطخري من الشافعية، وفيه الإرشاد إلى ترك الأسباب القاطعة لاجتماع القلوب لأنه زجر عن المماطلة وهي تؤدي إلى ذلك. *3* الحديث: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ ذَكْوَانَ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ وَمَنْ أُتْبِعَ عَلَى مَلِيٍّ فَلْيَتَّبِعْ الشرح: (لا يوجد شرح لهذا الحديث). *3* الشرح: قوله: (باب إن أحال دين الميت على رجل جاز، وإذا أحال على ملئ فليس له رد) كذا ثبت عند أبي ذر. والترجمة الثانية مقدمة عند غيره على الباب في باب مفرد، فيه حديث أبي هريرة " مطل الغني ظلم " عن محمد بن يوسف عن سفيان وهو الثوري عن أبي الزناد، ومناسبته للترجمة واضحة، وهو يشعر بأنه في ذلك موافق للجمهور على عدم الرجوع، وقد تقدمت مباحث ذلك في الذي قبله. وقد ذكر أبو مسعود أن هذه الطريق ثبتت في رواية النعيمي عن الفربري، وأنها لم تقع عند الحموي. قال وقد رواها حماد ابن شاكر عن البخاري. قلت: وثبتت أيضا عند أبي زيد المروزي عن الفربري، ورواها أيضا إبراهيم ابن معقل النسفي عن البخاري. ويؤيد صنيع النسفي ومن تبعه أنه ترجم بعد أبواب لحديث سلمة " باب من تكفل عن ميت دينا فليس له أن يرجع " فلو كان ما صنعه أبو ذر محفوظا لكان قد كرر الترجمة لحديث واحد. (تنبيهان) : الأول محمد بن يوسف لا قرابة بينه وبين عبد الله بن يوسف، فمحمد هو ابن يوسف ابن واقد بن عثمان الفريابي صاحب سفيان الثوري، وعبد الله هو ابن يوسف بن عبد الله التنيسي صاحب مالك، ولم يلق الفريابي مالكا ولا التنيسي سفيان والله أعلم. الثاني: قال ابن بطال إنما ترجم بالحوالة فقال " إن أحال دين الميت " ثم أدخل حديث سلمة وهو في الضمان لأن الحوالة والضمان عند بعض العلماء متقاربان وإليه ذهب أبو ثور لأنهما ينتظمان في كون كل منهما نقل ذمة رجل إلى ذمة رجل آخر، والضمان في هذا الحديث نقل ما في ذمة الميت إلى ذمة الضامن فصار كالحوالة سواء. قلت: وقد ترجم له بعد ذلك بالكفالة على ظاهر الخبر. الحديث: حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أُتِيَ بِجَنَازَةٍ فَقَالُوا صَلِّ عَلَيْهَا فَقَالَ هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ قَالُوا لَا قَالَ فَهَلْ تَرَكَ شَيْئًا قَالُوا لَا فَصَلَّى عَلَيْهِ ثُمَّ أُتِيَ بِجَنَازَةٍ أُخْرَى فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلِّ عَلَيْهَا قَالَ هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ قِيلَ نَعَمْ قَالَ فَهَلْ تَرَكَ شَيْئًا قَالُوا ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ فَصَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ أُتِيَ بِالثَّالِثَةِ فَقَالُوا صَلِّ عَلَيْهَا قَالَ هَلْ تَرَكَ شَيْئًا قَالُوا لَا قَالَ فَهَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ قَالُوا ثَلَاثَةُ دَنَانِيرَ قَالَ صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ قَالَ أَبُو قَتَادَةَ صَلِّ عَلَيْهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَعَلَيَّ دَيْنُهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ الشرح: قوله: (إذا أتى بجنازة) لم أقف على اسم صاحب هذه الجنازة ولا على الذي بعده، وللحاكم من حديث جابر " مات رجل فغسلناه وكفناه وحفظناه ووضعناه حيث توضع الجنائز عند مقام جبريل، ثم آذنا رسول الله صلى الله عليه وسلم به". قوله: (فقال هل عليه دين) سيأتي بعد أربعة أبواب سبب هذا السؤال من حديث أبي هريرة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤتي بالرجل المتوفي عليه الدين فيسأل هل ترك لدينه قضاء؟ فإن حدث أنه ترك لدينه وفاء صلى عليه وإلا قال للمسلمين: صلوا على صاحبكم " الحديث، وبين فيه أنه ترك ذلك بعد أن فتح الله عليه الفتوح. قوله: (ثم أتى بجنازة أخرى) ذكر في هذا الحديث أحوال ثلاثة وترك حال رابع، الأول لم يترك مالا وليس عليه دين، والثاني عليه دين وله وفاء، والثالث عليه دين ولا وفاء له، والرابع من لا دين عليه وله مال، وهذا حكمه أن يصلى عليه أيضا، وكأنه لم يذكر لا لكونه لم يقع بل لكونه كان كثيرا. قوله: (ثلاثة دنانير) في حديث جابر عند الحاكم " ديناران " وأخرجه أبو داود من وجه آخر عن جابر نحوه، وكذلك أخرجه الطبراني من حديث أسماء بنت يزيد، ويجمع بينهما بأنهما كانا دينارين وشطرا، فمن قال ثلاثة جبر الكسر ومن قال ديناران ألغاه، أو كان أصلهما ثلاثة فوفى قبل موته دينارا وبقي عليه ديناران، فمن قال ثلاثة فباعتبار الأصل ومن قال ديناران فباعتبار ما بقي من الدين، والأول أليق ووقع عند ابن ماجة من حديث أبي قتادة " ثمانية عشر درهما، وهذا دون دينارين وفي مختصر المزني من حديث أبي سعيد الخدري " درهمين " ويجمع إن ثبت بالتعدد. قوله: (فقال أبو قتادة: صل عليه يا رسول الله، وعلى دينه، فصلى عليه) وفي رواية ابن ماجة من حديث أبي قتادة نفسه " فقال أبو قتادة وأنا أتكفل به " زاد الحاكم في حديث جابر " فقال هما عليك وفي مالك والميت منهما بريء؟ قال نعم، فصلى عليه، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لقي أبا قتادة يقول: ما صنعت الديناران؟ حتى كان آخر ذلك إن قال: قد قضيتهما يا رسول الله، قال: الآن حين بردت عليه جلده " وقد وقعت هذه القصة مرة أخرى؛ فروى الدار قطني من حديث علي " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى بجنازة لم يسأل عن شيء من عمل الرجل، ويسأل عن دينه، فإن قيل عليه دين كف، وإن قيل ليس عليه دين صلى. فأتى بجنازة، فلما قام ليكبر سأل هل عليه دين فقالوا: ديناران، فعدل عنه فقال علي: هما علي يا رسول الله وهو بريء منهما، فصلى عليه. ثم قال لعلي جزاك الله خيرا وفك الله رهانك " الحديث. قال ابن بطال: ذهب الجمهور إلى صحة هذه الكفالة ولا رجوع له في مال الميت. وعن مالك له أن يرجع إن قال إنما ضمنت لأرجع، فإذا لم يكن للميت مال وعلم الضامن بذلك فلا رجوع له، وعن أبي حنيفة إن ترك الميت وفاء جاز الضمان بقدر ما ترك، وإن لم يترك وفاء لم يصح ذلك. وهذا الحديث حجة للجمهور. وفي هذا الحديث إشعار بصعوبة أمر الدين وأنه لا ينبغي تحمله إلا من ضرورة. وسيأتي الكلام على الحكمة في تركه صلى الله عليه وسلم الصلاة على من عليه دين في أول الأمر عند الكلام على حديث أبي هريرة بعد أربعة أبواب إن شاء الله تعالى. وفي الحديث وجوب الصلاة على الجنازة، وقد تقدم البحث في ذلك في موضعه. *3* وَقَالَ أَبُو الزِّنَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَعَثَهُ مُصَدِّقًا فَوَقَعَ رَجُلٌ عَلَى جَارِيَةِ امْرَأَتِهِ فَأَخَذَ حَمْزَةُ مِنْ الرَّجُلِ كَفِيلًا حَتَّى قَدِمَ عَلَى عُمَرَ وَكَانَ عُمَرُ قَدْ جَلَدَهُ مِائَةَ جَلْدَةٍ فَصَدَّقَهُمْ وَعَذَرَهُ بِالْجَهَالَةِ وَقَالَ جَرِيرٌ وَالْأَشْعَثُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فِي الْمُرْتَدِّينَ اسْتَتِبْهُمْ وَكَفِّلْهُمْ فَتَابُوا وَكَفَلَهُمْ عَشَائِرُهُمْ وَقَالَ حَمَّادٌ إِذَا تَكَفَّلَ بِنَفْسٍ فَمَاتَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَقَالَ الْحَكَمُ يَضْمَنُ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ ذَكَرَ رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ سَأَلَ بَعْضَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يُسْلِفَهُ أَلْفَ دِينَارٍ فَقَالَ ائْتِنِي بِالشُّهَدَاءِ أُشْهِدُهُمْ فَقَالَ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا قَالَ فَأْتِنِي بِالْكَفِيلِ قَالَ كَفَى بِاللَّهِ كَفِيلًا قَالَ صَدَقْتَ فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَخَرَجَ فِي الْبَحْرِ فَقَضَى حَاجَتَهُ ثُمَّ الْتَمَسَ مَرْكَبًا يَرْكَبُهَا يَقْدَمُ عَلَيْهِ لِلْأَجَلِ الَّذِي أَجَّلَهُ فَلَمْ يَجِدْ مَرْكَبًا فَأَخَذَ خَشَبَةً فَنَقَرَهَا فَأَدْخَلَ فِيهَا أَلْفَ دِينَارٍ وَصَحِيفَةً مِنْهُ إِلَى صَاحِبِهِ ثُمَّ زَجَّجَ مَوْضِعَهَا ثُمَّ أَتَى بِهَا إِلَى الْبَحْرِ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ تَسَلَّفْتُ فُلَانًا أَلْفَ دِينَارٍ فَسَأَلَنِي كَفِيلَا فَقُلْتُ كَفَى بِاللَّهِ كَفِيلًا فَرَضِيَ بِكَ وَسَأَلَنِي شَهِيدًا فَقُلْتُ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا فَرَضِيَ بِكَ وَأَنِّي جَهَدْتُ أَنْ أَجِدَ مَرْكَبًا أَبْعَثُ إِلَيْهِ الَّذِي لَهُ فَلَمْ أَقْدِرْ وَإِنِّي أَسْتَوْدِعُكَهَا فَرَمَى بِهَا فِي الْبَحْرِ حَتَّى وَلَجَتْ فِيهِ ثُمَّ انْصَرَفَ وَهُوَ فِي ذَلِكَ يَلْتَمِسُ مَرْكَبًا يَخْرُجُ إِلَى بَلَدِهِ فَخَرَجَ الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ يَنْظُرُ لَعَلَّ مَرْكَبًا قَدْ جَاءَ بِمَالِهِ فَإِذَا بِالْخَشَبَةِ الَّتِي فِيهَا الْمَالُ فَأَخَذَهَا لِأَهْلِهِ حَطَبًا فَلَمَّا نَشَرَهَا وَجَدَ الْمَالَ وَالصَّحِيفَةَ ثُمَّ قَدِمَ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ فَأَتَى بِالْأَلْفِ دِينَارٍ فَقَالَ وَاللَّهِ مَا زِلْتُ جَاهِدًا فِي طَلَبِ مَرْكَبٍ لِآتِيَكَ بِمَالِكَ فَمَا وَجَدْتُ مَرْكَبًا قَبْلَ الَّذِي أَتَيْتُ فِيهِ قَالَ هَلْ كُنْتَ بَعَثْتَ إِلَيَّ بِشَيْءٍ قَالَ أُخْبِرُكَ أَنِّي لَمْ أَجِدْ مَرْكَبًا قَبْلَ الَّذِي جِئْتُ فِيهِ قَالَ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَدَّى عَنْكَ الَّذِي بَعَثْتَ فِي الْخَشَبَةِ فَانْصَرِفْ بِالْأَلْفِ الدِّينَارِ رَاشِدًا الشرح: بسم الله الرحمن الرحيم قوله: (باب الكفالة في القرض والديون بالأبدان وغيرها) ذكر الديون بعد القرض من عطف العام على الخاص والمراد بغير الأبدان الأموال. قوله: (وقال أبو الزناد الخ) هو مختصر من قصة أخرجها الطحاوي من طريق عبد الرحمن بن أبي الزناد " حدثني أبي حدثني محمد بن حمزة بن عمرو الأسلمي عن أبيه أن عمر بن الخطاب بعثه للصدقة، فإذا رجل يقول لامرأة: صدقي مال مولاك، وإذا المرأة تقول: بل أنت صدق مال ابنك، فسأل حمزة عن أمرهما فأخبر أن ذلك الرجل زوج تلك المرأة وأنه وقع على جارية لها فولدت ولدا فأعتقته امرأته ثم ورث من أمه مالا فقال حمزة للرجل: لأرجمنك، فقال له أهل الماء: إن أمره رفع إلى عمر فجلده مائة ولم ير عليه رجما. قال فأخذ حمزة بالرجل كفيلا حتى قدم على عمر فسأله فصدقهم عمر بذلك مع قولهم " وإنما درأ عمر عنه الرجم لأنه عذره بالجهالة، واستفيد من هذه القصة مشروعية الكفالة بالأبدان فإن حمزة بن عمرو الأسلمي صحابي وقد فعله ولم ينكر عليه عمر مع كثرة الصحابة حينئذ، وأما جلد عمر للرجل فالظاهر أنه عزره بذلك قاله ابن التين. قال: وفيه شاهد لمذهب مالك في مجاوزة الإمام في التعزير قدر الحد. وتعقب بأنه فعل صحابي عارضه مرفوع صحيح فلا حجة فيه وأيضا فليس فيه التصريح بأنه جلده ذلك تعزيرا، فلعل مذهب عمر أن الزاني المحصن إن كان عالما رجم وإن كان جاهلا جلد. قوله: (وقال جرير) أي ابن عبد الله البجلي (والأشعث) أي ابن قيس الكندي (لعبد الله بن مسعود في المرتدين: استتبهم وكفلهم، فتابوا وكفلهم عشائرهم) وهذا أيضا مختصر من قصة أخرجها البيهقي بطولها من طريق أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب قال: صليت الغداة مع عبد الله بن مسعود، فلما سلم قام رجل فأخبره أنه انتهى إلى مسجد بني حنيفة فسمع مؤذن عبد الله بن النواحة يشهد أن مسيلمة رسول الله، فقال عبد الله: علي بابن النواحة وأصحابه، فجيء بهم. فأمر قرظة بن كعب فضرب عنق ابن النواحة، ثم استشار الناس في أولئك النفر فأشار عليه عدي بن حاتم بقتلهم، فقام جرير والأشعث فقالا: بل استتبهم وكفلهم عشائرهم، فتابوا وكفلهم عشائرهم. وروى ابن أبي شيبة من طريق قيس بن أبي حازم أن عدة المذكورين كانت مائة وسبعين رجلا، قال ابن المنير: أخذ البخاري الكفالة بالأبدان في الديون من الكفالة بالأبدان في الحدود بطريق الأولى، والكفالة بالنفس قال بها الجمهور ولم يختلف من قال بها أن المكفول بحد أو قصاص إذا غاب أو مات أن لا حد على الكفيل بخلاف الدين، والفرق بينهما أن الكفيل إذا أدى المال وجب له على صاحب المال مثله. (تنبيه) : وقع في أكثر الروايات في هذا الأثر " فتابوا " من التوبة ووقع في رواية الأصيلي والقابسي وعبدوس " فأبوا " بغير مثناة قبل الألف، قال عياض: وهو وهم مفسد للمعنى. قلت: والذي يظهر لي أنه " فأبوا " بهمزة ممدودة وهي بمعنى فرجعوا فلا يفسد المعنى. قوله: (وقال حماد) أي ابن أبي سليمان (إذا تكفل بنفس فمات فلا شيء عليه. وقال الحكم يضمن) وصله الأثرم من طريق شعبة عن حماد والحكم وبذلك قال الجمهور، وعن ابن القاسم صاحب مالك يفصل بين الدين الحال والمؤجل فيغرم في الحال ويفصل في المؤجل بين ما إذا كان لو قدم لأدركه أم لا. قوله: (وقال الليث حدثني جعفر بن ربيعة الخ) وقع هنا في نسخة الصغاني " حدثنا عبد الله بن صالح حدثني الليث " وقد تقدم في " باب التجارة في البحر " أن أبا ذر وأبا الوقت وصلاه في آخره، قال البخاري " حدثني عبد الله بن صالح حدثني الليث به " ووصله أبو ذر هنا من روايته عن شيخه علي بن وصيف " حدثنا محمد بن غسان حدثنا عمر بن الخطاب السجستاني حدثنا عبد الله بن صالح به " وكذلك وصله بهذا الإسناد في " باب ما يستخرج من البحر " من كتاب الزكاة، ولم ينفرد عبد الله بن صالح فقد أخرجه الإسماعيلي من طريق عاصم بن علي وآدم بن أبي إياس، والنسائي من طريق داود بن منصور كلهم عن الليث، وأخرجه الإمام أحمد عن يونس بن محمد عن الليث أيضا، وله طريق أخرى عن أبي هريرة علقها المصنف في كتاب الاستئذان من طريق عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة، ووصلها في " الأدب المفرد " وابن حبان في صحيحه من هذا الوجه. قوله: (أنه ذكر رجلا من بني إسرائيل سأل بعض بني إسرائيل أن يسلفه ألف دينار) في رواية أبي سلمة " أن رجلا من بني إسرائيل كان يسلف الناس إذا أتاه الرجل بكفيل " ولم أقف على اسم هذا الرجل، لكن رأيت في " مسند الصحابة الذين نزلوا مصر " لمحمد بن الربيع الجيزي بإسناد له فيه مجهول عن عبد الله ابن عمرو بن العاص يرفعه " أن رجلا جاء إلى النجاشي فقال له أسلفني ألف دينار إلى أجل، فقال من الحميل بك؟ قال: الله، فأعطاه الألف، فضرب بها الرجل - أي سافر بها - في تجارة، فلما بلغ الأجل أراد الخروج إليه فحبسته الريح، فعمل تابوتا " فذكر الحديث نحو حديث أبي هريرة، واستفدنا منه أن الذي أقرض هو النجاشي، فيجوز أن تكون نسبته إلى بني إسرائيل بطريق الاتباع لهم لا أنه من نسلهم. قوله: (قال فأتني بالكفيل، قال كفى بالله كفيلا، قال صدقت) في رواية أبي سلمة فقال " سبحان الله نعم". قوله: (فدفعها إليه) أي الألف دينار، في رواية أبي سلمة فعد له ستمائة دينار، والأول أرجح لموافقة حديث عبد الله بن عمرو، ويمكن الجمع بينهما باختلاف العدد والوزن فيكون الوزن مثلا ألفا والعدد ستمائة أو بالعكس. قوله: (فخرج في البحر فقضى حاجته) في رواية أبي سلمة فركب الرجل البحر بالمال يتجر فيه فقدر الله أن حل الأجل وأرتج البحر بينهما. قوله: (ثم يجد مركبا) زاد في رواية أبي سلمة " وغدا رب المال إلى الساحل يسأل عنه ويقول: اللهم اخلفني وإنما أعطيت لك". قوله: (فأخذ خشبة فنقرها) أي حفرها. وفي رواية أبي سلمة " فنجر خشبة " وفي حديث عبد الله ابن عمرو " فعمل تابوتا وجعل فيه الألف". قوله: (وصحيفة منه إلى صاحبه) في رواية أبي سلمة " وكتب إليه صحيفة: من فلان إلى فلان، إني دفعت مالك إلى وكيلي الذي توكل بي". قوله: (ثم زجج موضعها) كذا للجميع بزاي وجيمين، قال الخطابي: أي سوى موضع النقر وأصلحه، وهو من تزجيج الحواجب وهو حذف زوائد الشعر، ويحتمل أن يكون مأخوذا من الزج وهو النصل كأن يكون النقر في طرف الخشبة فشد عليه زجا ليمسكه ويحفظ ما فيه. وقال عياض: معناه سمرها بمسامير كالزج، أو حشى شقوق لصاقها بشيء ورقعه بالزج. وقال ابن التين: معناه أصلح موضع النقر. قوله: (تسلفت فلانا) كذا وقع فيه، والمعروف تعديته بحرف الجر كما وقع في رواية الإسماعيلي " استسلفت من فلان". قوله: (فرضي بذلك) كذا للكشميهني، ولغيره " فرضي به " وفي رواية الإسماعيلي " فرضي بك " قوله: (وإني جهدت) بفتح الجيم والهاء، وزاد في حديث عبد الله بن عمرو " فقال اللهم أد حمالتك". قوله: (حتى ولجت فيه) بتخفيف اللام أي دخلت في البحر. قوله (فأخذها لأهله حطبا فلما نشرها) أي قطعها بالمنشار (وجد المال) في رواية النسائي " فلما كسرها " وفي رواية أبي سلمة " وغدا رب المال يسأل عن صاحبه كما كان يسأل فيجد الخشبة فيحملها إلى أهله فقال: أوقدوا هذه، فكسروها فانتثرت الدنانير منها والصحيفة، فقرأها وعرف". قوله: (ثم قدم الذي كان أسلفه فأتى بالألف دينار) وفي رواية أبي سلمة " ثم قدم بعد ذلك فأتاه رب المال فقال: يا فلان مالي قد طالت النظرة، فقال: أما مالك فقد دفعته إلى وكيلي، وأما أنت فهذا مالك " وفي حديث عبد الله بن عمرو أنه قال له " هذه ألفك، فقال النجاشي: لا أقبلها منك حتى تخبرني ما صنعت، فأخبره فقال: لقد أدى الله عنك " قوله: (وانصرف بالألف الدينار راشدا) في حديث عبد الله بن عمرو " قد أدى الله عنك، وقد بلغنا الألف في التابوت، فأمسك عليك ألفك " زاد أبو سلمة في آخره " قال أبو هريرة ولقد رأيتنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر مراؤنا ولغطنا، أيهما آمن "؟ وفي الحديث جواز الأجل في القرض ووجوب الوفاء به، وقيل لا يجب بل هو من باب المعروف، وفيه التحدث عما كان في بني إسرائيل وغيرهم من العجائب للاتعاظ والاتساء، وفيه التجارة في البحر وجواز ركوبه، وفيه بداءه الكاتب بنفسه، وفيه طلب الشهود في الدين وطلب الكفيل به، وفيه فضل التوكل على الله وأن من صح توكله تكفل الله بنصره وعونه، وسيأتي حكم أخذ ما لقطه البحر في كتاب اللقطة إن شاء الله تعالى. ووجه الدلالة منه على الكفالة تحدث النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وتقريره له، وإنما ذكر ذلك ليتأسى به فيه وإلا لم يكن لذكره فائدة.
|